ضمن أكثر من ستين دولة، يفتتح معهد مسك للفنون يوم غدٍ الخميس ٢٤ مايو ٢٠١٨، جناح المملكة العربية السعودية بمعرض بينالي البندقية في إيطاليا، والذي يُعد من أعرق المعارض الأوروبية للفنون المعاصرة، نظراً لما يشمله من تنوع لافت في أعمال التصميم والنحت والتشكيل والعمارة. وتُعد هذه أول مشاركة للمملكة في هذه التظاهرة العالمية.
وانطلاقاً من الموضوع الرئيسي لـ”بينالي البندقية للعمارة 2018″، وهو “المساحة الحرة”، يُشارك الجناح السعودي بمعرض لمدة أربعة أشهر معتمداً مفهوم “الفضاءات البينية”، مستعرضاً الطرق الحديثة في أدوات التصميم لتوظيف “المساحة الحرة” كما هو الحال في المدن الكبرى في الرياض مثلاً، وخاصة في أعوام السبعينيات والثمانينيات الميلادية. ويتتبع المعهد بهذا المفهوم “العمارة السلمانية” التي انتهجت المحافظة على الموروث الثقافي للمكان مستجيبة في الوقت ذاته لأطوار التحديث في العمران وباشتراطات الهويّة والإرث.
ويعرض الجناح السعودي الأعمال الفنية الفائزة بمسابقة خاصة تقدّم إليها أكثر من سبعين مشاركاً، وأشرفت عليها لجنة تحكيم ضمت لعضويتها القيّمتَيْن على الجناح وهما الدكتورة سمية السليمان والأستاذة جواهر السديري، وهي المشاركة الأولى لسيدتين سعوديتين في تظاهرة مماثلة، وتعود الأعمال الفائزة للمهندسَيْن المعماريَيْن عبد الرحمن قزاز وتركي قزاز.
وسوف يعقد معهد مسك للفنون برنامج تدريبي للشباب السعوديين في مجال الفنون البصرية والمعمارية خلال فترة المعرض، على أن يتم ترشيح شباب وشابات من السعودية بشكل دوري للالتحاق بهذا البرنامج، ومن ثم تمثيل الجناح السعودي في هذا الحدث الدولي.
وكان قد سبق هذه المرحلة النهائية الإعدادات التمهيدية للمشاركة بدايةً باجتماع فريق المعهد مع المهندسين المعماریین وفريق الإنتاج الدولي في “أرسنال البندقية”، ووضع أسس تعاون مع جامعتي “المعهد العالي للتصميم والعمارة في البندقية” و”كافوسكاري” لإعداد البرنامج التدریبي للمرشحات والمرشحين من المملكة، إضافة إلى الأعمال الأخرى المتعلقة بتجهيز الجناح.
ويُذكر أنّ لجنة المعرض اختارت موقعاً مميزاً للمشاركة السعودية، يعكس مكانة المملكة إقليمياً ودولياً، وذلك في “أرسنال البندقية”، وهو المبنى الأبرز داخل منطقة بينالي، والذي كان يُعتبر مجمعاً لأحواض بناء السفن القديمة في مدينة البندقية. وسيجاور الجناح السعودي أجنحة الأرجنتين والإمارات العربية المتحدة والمكسيك.
وعن هذه الخطوة الرائدة المتمثلة في تواجد المملكة لأول مرة في “بينالي البندقية للعمارة 2018” قال المدير التنفيذي لمعهد مسك للفنون أحمد ماطر: “تعتبر هذه التظاهرة الفريدة ثمرةَ تعاونٍ مشترك بين المعهد والمؤسسات الثقافية الدولية؛ فهذا التعاون الذي توصل إليه المعهد مؤخراً، رغم حداثة نشأته، مع مؤسسة عالمية كبينالي البندقية وعمرها الممتد لأكثر من 120 عاماً، لهو تعاون هام ودليل على أهمية الدور الذي تلعبه المملكة في المشهد الثقافي العالمي، ويتجلى ذلك عبر نوعية الأعمال المشاركة من الفنانين السعوديين، سواء القيّمتين على الجناح أو المهندسين المشاركين، وما ينقلونه من إبداعات تُواكب بجديّة الحركة الفنية العالمية المعاصرة في العمارة وغيرها”. وكشف أنّ “نماذج التصاميم المعمارية المختارة للجناح السعودي تسعى لإظهار الحلول المناسبة لمعالجة تلك المساحات التي أدت في فترة من فترات التطور الحضري توسّع الضواحي السكنية المحيطة بالمدن، وما تبعه من تقدم في المراكز الحضرية السعودية بهجرة الريف وظهور مناطق سكنية كبيرة في جوانب المدن الكبرى، فوجدت أحياء معزولة وغير مترابطة”.
وأضاف ماطر: “يُقدم المعهد من خلال هذا المعرض الدولي قراءة نموذجية للسياسات المتعلقة بنمط الحياة وأماكن العيش ضمن الخطط الاقتصادية الوطنية. ويؤكد دور التصميم كعامل أساسي في صياغة نمط الحياة الاجتماعية وإعادة بناء المجتمع”، وهو ما تُنجزه الرياض منذ سنوات طويلة بإعادة توظيف المساحات الخالية مستوحية تاريخها قديمه وحديثه، وباستحضار الموروث الذي أثراها والقصص التي خلّدتها.
وعن المشاركَيْن في الجناح السعودي، يذكر أن المهندسَيْن عبد الرحمن قزاز وتركي قزاز، قد ولدا في جدة وترعرعا فيها، إذ يحمل عبد الرحمن شهادة البكالوريوس في الهندسة المعماریة والتخطیط من “جامعة ویستإنغلاند” في مدينة بریستول البريطانية، بينما يحمل تركي شهادة البكالوريوس في الهندسة المعماریة من “جامعة ماكغيل” في مدينة مونترالك الكندية. رسخت دراستهما ارتباطهما بالعمارة، فأسسا في عام 2015 “بریكلاب – المملكة العربیة السعودیة – عبد الرحمن وتركي قزاز إخوان”، وهو استودیو لتطویر مفهوم الهندسة المعمارية في جدة، وقد قادتهما خلفیتهما المتنوعة للتعمق أكثر في الهندسة المعماریة، والتخطیط، والتاریخ، وهذا ما يدفعهما إلى التركيز على تطویر المسألة البحثیة في كل مشروع ويقدمان مساهمات ذات أبعاد جديدة وذات سیاقات اجتماعیة واقتصادیة وسیاسیة معینة.
ويُعتبر معهد مسك للفنون مؤسسة ثقافية وأحد روافد مؤسسة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود “مسك الخيرية”، ويهدف المعهد إلى تشجيع الإنتاج الثقافي على المستوى المحلي، وتعزيز الدبلوماسية الثقافية والتبادل المعرفي، والارتقاء بمكانته ليصبح مركزاً للابتكار الثقافي في مجال الفنون. ويتضمن برنامج المعهد إقامة معارض وفعاليات محلية ودولية، وتطوير شبكة تواصل للفنانين، وبرنامجاً لتعليم الفنون في المدارس والجامعات عبر جميع أنحاء المملكة. كما يسعى للاستثمار في تنمية مهارات الفنانين الشباب وتطوير إمكاناتهم على المدى الطويل. ويهدف المعهد من إطلاق برامجه الثقافية محلياً ودولياً إلى تحفيز المجتمع السعودي نحو حوار جديد داخله ومن ثم مع بقية المجتمعات حول العالم.